1 هل تحول إخناتون إلى التوحيد على يد النبى يوسف الصديق؟ 2 «المهاجر» تحدث عن نفس القصة واتهمه البعض بالتطبيع.. فلماذا أفلت المسلسل من هذا 3 وأخيراً.. هل نحب المسلسل بأحداثه ومشاهده الفرعونية أم نكرهه؟
◄◄ د. عبدالحليم نور الدين: لايوجد فى الكتب ما يدل على الربط بين عهد يوسف وعصر إخناتون
◄◄ لقب «عزيز مصر» ظهر فى فترة سبقت إخناتون بمئات السنين فى منتصف التسعينيات من القرن الماضى قدم المخرج العالمى الراحل يوسف شاهين فيلمه «المهاجر» بطولة الفنان خالد النبوى، وأثار الفيلم وقتها جدلا كبيرا، شمل أكثر من قضية أبرزها الهجوم الشديد على الفيلم من ناحية أنه يدعو إلى تقبل الآخر وكان المقصود بـ«الآخر» إسرائيل، حيث تناول الفيلم شخصية «رام» التى جاءت إلى مصر من أرض كنعان ، ورأى الذين هاجموا الفيلم وكان أبرزهم المفكر الدكتور جلال أمين، أن هذا الجانب تحديدا هو بمثابة دعوة إلى التطبيع مع إسرائيل، وأخضعوا المسألة وقتها إلى تفسيرات من نوع أن شاهين يحلم بسعفة «كان» الذهبية، بالإضافة إلى اعتماده فى التمويل على جهات فرنسية، وأن الطريق إلى الجائزة والحصول على التمويل له شروط، وتلبية هذه الشروط تأتى من بوابة إسرائيل، وهو ما فعله شاهين فى فيلمه، ويوما بعد يوم أثبتت الأحداث أن تناول شاهين لم يكن إلا رؤية خاصة منه، والدليل أن الرجل رحل بعد الفيلم بـ12 عاما وهو على موقفه الرافض للتطبيع مع إسرائيل، بل رافض للسلام معها من الأصل. لم يكن اتهام شاهين بمغازلة «الآخر» ورغبته فى التطبيع هو الاتهام الوحيد الذى قيل وقتها، وإنما اعتبر البعض أن الفيلم هو بالضبط قصة سيدنا يوسف الذى هاجر من أرض كنعان إلى مصر، وأحدث فيها خيرا كبيرا فى سنوات سبع عجاف، جف فيها الماء، فلم يعد هناك زرع ولا حصاد، وكان هذا هو الملمح الرئيسى الذى دارت فيه قصة الفيلم من خلال شخصية «رام» الذى قال البعض إن المقصود به هو سيدنا يوسف عليه السلام ، وأن تجسيد الأنبياء حرام، وعلى أثر هذا التفسير قام الشيخ يوسف البدرى برفع دعوى قضائية ضد الفيلم وشاهين. ذكريات السؤال، لماذا نستدعى هذه الذكريات الآن بعد سنوات تقترب من الـ15 عاما؟ الإجابة تأتى من الضجة التى أثيرت مؤخرا حول المسلسل الإيرانى «يوسف الصديق» والتى انتهت من عرضه قناة «ميلودى»، منذ أيام، وتجدد الجدل الذى لم يشمل الحديث عن مغازلة «الآخر» أو الرغبة فى التطبيع كما حدث مع يوسف شاهين، وإنما أخذ أيضا نفس اتهام شاهين وهو حرمة تجسيد الأنبياء، لكن الإثارة تزداد فى هذه النقطة تحديدا من ناحية أنه إذا كان تجسيد يوسف قد تم بالرمز فى فيلم «المهاجر» فإنه فى مسلسل «يوسف الصديق» تم صراحة، بمعنى أننا وجدنا من يكسر قاعدة حرمة تجسيد الأنبياء على شاشات التليفزيون، ولم يقتصر الموقف على النبى يوسف، وإنما امتد إلى نبى الله يعقوب والد يوسف، عليهما السلام، وهذا التجسيد يعد أول الإغراءات للمشاهدة، ويدفعنا إلى أول الإجابات عن سؤال هو: هل نحب المسلسل أم نكرهه؟ حقائق التاريخ الجدل حول المسلسل امتد إلى قضية أخرى، وهى هل جاء يوسف إلى مصر فى عصر الملك أمنحتب الثالث ، وشب حتى بلغ مرتبة عزيز مصر فى عصر ابنه الملك أمنحتب الرابع، الذى أصبح «إخناتون» بفضل تأثير يوسف عليه، وهجر إخناتون عبادة آمون وأصبح موحدا، والتوحيد يعنى الإيمان بالله، وبقدر ما أدى هذا التأويل الذى ذهب إليه المسلسل إلى فتح باب الأسئلة حول ما إذا كان حقيقيا فى التاريخ، بقدر ما مثل الإغراء الثانى فى مشاهدة المسلسل. تقدم مصر الفرعونية وقبل أن نفتح باب الحقائق من المتخصصين لتوضيح ما إذا كان يوسف عليه السلام هو الذى ترك أكبر الأثر على شخصية إخناتون، وكان نتيجة ذلك تحول إخناتون إلى التوحيد، ومن ورائه غالبية الشعب المصرى خاصة من العامة والفقراء كما جاء فى المسلسل، نقول إن الذين تصدوا لكتابة السيناريو وعددهم 20، أظهروا حقائق هامة عن التقدم الكبير الذى كانت عليه الحياة فى مصر خلال زمن الأحداث التى امتدت إلى سنوات طويلة هى عمر يوسف من مولده حتى مجيئه إلى مصر عن طريق بيعه إلى عزيزها بوتيفار وزوجته زليخة، وتربيته فى قصرهما ثم سجنه بسبب رفضه لغواية زليخة ودخوله السجن على يديها لمدة عشر سنوات، وخروجه من السجن بأمر من امنحتب الرابع الذى سيصبح فيما بعد إخناتون، جاء المسلسل بمشاهد تقطع بتقدم مصر سياسيا واقتصاديا، ورأينا دولة فيها قانون وأمن وحراسة على الحدود وجيش يدافع عنها ضد أى غزو خارجى، ورأينا أسواقا تجارية فيها بيع وشراء كما هو موجود الآن، ورأينا سلعا تدل على وجود صناعة، وفى المقابل كان المسلسل يصور أرض كنعان التى جاء منها يوسف عليه السلام على أنها حياة بدائية يتركز كل نشاطها على الرعى، وبين تقدم حالة مصر كما جاء فى المسلسل وبدائية الحياة فى أرض كنعان يأتى الإغراء الثالث لمشاهدة العمل على الشاشة، ومعه قد نصل إلى إجابة حول: هل نحب المسلسل أم نكرهه؟ مشاهد الدعوة للإيمان بالله وإذا كان القرآن الكريم قد جاء بقصة زليخة، زوجة عزيز مصر بوتيفار، وهى تحاول إغواء يوسف عليه السلام ، وكان الله عز وجل هو حارسه الأمين، ثم دخوله السجن بعدها بسبب رفضه غوايتها، وبدأ فى طريق الدعوة إلى الإيمان بالله سبحانه وتعالى، فإن طريقة دعوة نبى الله تدفعك إلى إغراء رابع للمشاهدة، خاصة فى المواجهات الكبيرة التى تمت بين يوسف الصديق وكهنة معبد آمون الذين كانوا يعبدون تمثالا حجريا يطلقون عليه اسم آمون، وهزمهم يوسف هزيمة منكرة، أدت فى النهاية إلى دخول كهنة المعبد السجن بعد أن كانوا لا يتورعون فى إلحاق الأذى بعامة المصريين. مشاهد صبر يوسف وأبيه يعقوب مرة أخرى وقبل التطرق إلى مايذكره المتخصصون حول ماإذا كان يوسف عليه السلام هو بالفعل الذى أدخل إخناتون إلى عقيدة التوحيد أم لا، يأتيك فى المسلسل إغراء خامس يدفعك أيضا إلى طرح السؤال على نفسك: هل نحب المسلسل أم نكرهه؟ ويتمثل هذا الإغراء فى تلك المشاهد التى جاء ت بنبى الله يعقوب وهو يصبر على ولده يوسف عليهما السلام، وكم ذرف الدموع على فراقه وهو يبحث عن حقيقة وجوده دون أن يعثر على إجابة من أولاده، كان صبر يعقوب صبر الأنبياء ومعه صبر يوسف على فراق أبيه نيفا وثلاثين عاما، ولما جاءت لحظة اللقاء على أرض مصر كان المشهد بالغ التأثير. تزوير للتاريخ ننتقل إلى أهم ماجاء فى المسلسل ويحتاج إلى تدقيق، وهو مجىء سيدنا يوسف عليه السلام فى عصر أمنحتب الثالث ثم تأثيره على امنحتب الرابع الذى آمن بالتوحيد وأصبح إخناتون، وهى القضية التى يمكن اعتبارها الإغراء السادس للمشاهدة، والإجابة عن سؤال: «هل نحب المسلسل أم نكرهه؟ وعن هذه المسألة، يقول المتخصصون إن لقب عزيز مصر لم يظهر إلا فى عصر الانتقال الثانى الذى يبدأ من الأسرة الثالثة عشرة حتى الأسرة السابعة عشرة، وهى الفترة التى كان الهكسوس يحتلون فيها مصر، حسبما يؤكد الدكتور حجاجى إبراهيم رئيس قسم الآثار بكلية الآداب جامعة طنطا، مشيرا إلى أن عصور الحضارة المصرية مقسمة كالتالى: حضارة تاسا، ثم البدارى، ثم نقادة الأولى والثانية، ثم عصر ما قبل الأسرات، ثم عصر الأسرات الأولى والثانية، ثم الدولة القديمة التى بدأت بالأسرة الثالثة حتى السادسة والتى عرفت ببناة الأهرامات، ثم عصر الانتقال الأول الذى بدأ من الأسرة السابعة وحتى العاشرة، ثم الدولة الوسطى التى بدأت بالأسرة الحادية عشرة حتى الثانية عشرة، ثم عصر الانتقال الثانى الذى بدأ من الأسرة 13 حتى الأسرة 17 ثم الدولة الحديثة من الأسرة 18 حتى 20، ثم باقى العصور. وبالتدقيق التاريخى والمادى لهذه العصور يتبين أن لقب الفرعون لا يطلق إلا على الملك، ومن ثم فإن لقب العزيز كان يطلق على رئيس الوزراء أو الوزير الأقوى، وهو اللقب الذى لم يظهر إلا فى عصر الانتقال الثانى الذى يبدأ من الأسرة 13 حتى الأسرة 17، وهى الفترة التى تسبق إخناتون بمئات السنين، حيث عصر إخناتون كان فى الأسرة 18 وهى بداية الدولة الحديثة بملوكها العظام أمثال أمنحتب الثالث والد إخناتون، وتحتمس الثالث الذى يعد أعظم ملوك مصر الفاتحين، لذلك فإن هناك استحالة تاريخية للربط بين عصرى سيدنا يوسف وإخناتون. الأرجح، حسب الربط التاريخى بين ملوك مصر وظهور الأنبياء فى عهدهم حسب تأكيدات الدكتور حجاجى إبراهيم، يكشف أن أبا الأنبياء إبراهيم عليه السلام ظهر فى عصر الدولة الوسطى حيث ظهر اسم «إبرام» فى مقبرة «خنوم حتب» فى بنى حسن بالمنيا وهو يقدم الهدايا لحاكم مصر، وخنوم حتب كان حاكما لإقليم المنيا، ثم ظهر سيدنا يوسف الصديق فى عصر الانتقال الثانى وليس عصر الدولة الحديثة التى ينتمى إليها الملك إخناتون، ثم النبى موسى عليه السلام الذى ظهر فى الدولة الحديثة ، ثم سيدنا سليمان عليه السلام الذى ظهر فى الأسرة 22 لأنه تزوج من شقيقة الملك المصرى ساشنق والذى ينتمى إلى أسرة ليبية، ودفن ساشنق فى صان الحجر بالحسنية محافظة الشرقية، والسيد المسيح عليه السلام ظهر فى عهد الإمبراطور الرومانى أغسطس أوكتافيوس، وأخيرا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذى ولد فى عهد الملك جستنيان الثانى عام 570 ميلادية فى العصر البيزنطى. العالم الأثرى أحمد عبدالحميد يوسف مؤلف كتاب «مصر فى القرآن والسنة» أكد وبشكل قاطع أن النبى يوسف ليس فى عصر إخناتون، مطالبا مؤلفى المسلسل الإيرانيين بإظهار دليلهم على ما ذهبوا إليه من أن «يوسف الصديق» ظهر فى عهد الملك إخناتون. ويؤيده فى الرأى الدكتور محمد عبدالمقصود، مدير عام آثار الوجه البحرى والقناة، مضيفا أن لقب عزيز مصر ظهر فى عهد الهكسوس وهو عصر الانتقال الثانى، وليس عهد إخناتون الذى ينتمى إلى الأسرة 18 من الدولة الحديثة . وإذا كانت الشواهد التاريخية التى يستمد منها العلماء معلوماتهم والمتمثلة فى الآثار المكتشفة بكل أنواعها والبرديات لم تتطرق مطلقا إلى أن يوسف الصديق لم يظهر فى عهد إخناتون، فإن ما ورد أيضا من نصوص اللغة المصرية القديمة بخطوطها الثلاثة «الهيروغليفية والهيراطيقية والديموطيقية» لم تذكر لا من قريب أو بعيد هذه القضية المثارة حسب تأكيدات الدكتور عبدالحليم نورالدين رئيس هيئة الآثار الأسبق وأستاذ اللغة المصرية القديمة، مبديا غضبه الشديد من محاولة ربط الأنبياء بأسماء ملوك مصريين قدماء، مشيرا إلى أنه لا يمكن الربط بين عهد يوسف الصديق وبين عصر الملك إخناتون سواء فى الكتب السماوية أو الشواهد الأثرية والسؤال.. لماذا يصمت الأزهر عن هذه الأخطاء؟ ويعود من جديد الدكتور حجاجى إبراهيم، رئيس قسم الآثار بآداب طنطا، ليكشف حقائق تاريخية مهمة، حيث أكد أن لقب عزيز مصر الذى ظهر فى عصر الانتقال الثانى، حاول الخديو إسماعيل الحصول عليه ليصبح الخديو إسماعيل عزيز مصر، محققا بذلك إستحداث لقبين لم يعرفهما أفراد إسرته التى أسسها جده الكبير محمد على باشا عام 1805. ويوضح الدكتور حجاجى أن الخديو إسماعيل وجه دعوة إلى السلطان العثمانى عبدالعزيز للمشاركة فى احتفال افتتاح قناة السويس، وبالفعل قبل السلطان عبدالعزيز الدعوة وحضر إلى مصر، وهى المرة الأولى التى يدخل فيها سلطان عثمانى مصر كضيف وليس كمحتل، وقدم إسماعيل لضيفه السلطان الهدايا الفخمة والطائلة للحصول على 3 أشياء مهمة، الأول لقب الخديو والثانى أن يكون الحكم بالوراثة وليس لأكبر أفراد الأسرة سنا، والثالث الحصول على لقب عزيز مصر، وبالفعل وافق السلطان عبدالعزيز على اللقبين الأول والثانى، ورفض منحه اللقب الثالث بناء على نصيحة مستشاريه ورجال بلاطه. وأضاف حجاجى: رغم رفض السلطان عبدالعزيز منح الخديو إسماعيل لقب عزيز مصر، فإن إسماعيل أصر على أن يخلع عليه رجاله هذا اللقب وتم تسجيله «زورا» على لوحة رخامية عثر عليها فى سبيل «الست مباركة» وصيفة خشيار هانم أم إسماعيل، ومازالت اللوحة موجودة فى متحف طنطا ومدون عليها عزيز مصر الخديو إسماعيل . مقارنة بين «المهاجر» والمسلسل يبقى فى النهاية الإغراء السابع لمشاهدة المسلسل، وهو أنه سيدفعك إلى عقد مقارنة بينه وبين فيلم «المهاجر» ليوسف شاهين، فإذا كان «مهاجر» شاهين تناول القصة برمزية، فإننا فى مسلسل «يوسف الصديق» أمام عمل صريح عن سيدنا يوسف وأبيه يعقوب بن إسحق بن إبراهيم عليهم السلام.